الحکومة الترکیة وتطورات القضیة السوریة

 دراسة فی العلاقات والمواقف

معلومات البحث                                   مستخلص البحث

Turkey and the Developments of the Syrian Issue

 a Study in Relations and Attitudes

Article  info.                            Abstract                                     

المقدمة :

     شهدت سوریة حالها حال الدول العربیة التی عصفت بها ثورات الربیع العربی التی حدثت نهایة العام 2010 ومطلع العام2011، فبدأت أحداث الثورة فی سوریة منذ آذار 2011 وأصبحت حدثاً مفصلیاً فی تاریخ سوریة الحدیث، إذ تحولت الثورة إلى أزمة وقضیة نتیجة حالة استقطاب إقلیمی ودولی نحو سوریة بسبب موقعها الجغرافی والاختلاف الإیدیولوجی وسعة حجم المصالح والصراع على النفوذ، لذا تصر الأطراف الإقلیمیة والدولیة الفاعلة فی القضیة السوریة على التدخل وتحقیق غایاتها، ما غیر من مسار الثورة وحولها داخلیاً إلى اقتتال بین فئات وأطیاف المجتمع السوری وخارجیاً إلى صراع المصالح بین الأطراف الفاعلة.

     وجاء الموقف الترکی من القضیة السوریة فی بادئ الأمر ثابتاً فی تبنی الحقوق التی یطالب بها المحتجون، وحاولت الحکومة الترکیة دفع قیادة النظام السوری إلى الانفتاح لتجاوز المحنة الداخلیة، إلاَّ أنَّ رفض النظام السوری نصح الحکومة الترکیة دفع الأخیرة إلى التخلی عن سیاستها السابقة التی تمتنع بموجبها عن الانضمام إلى فرض العقوبات على سوریة أو الأعمال التی تفرضها الأسرة الدولیة، ورفضت ترکیا ان تصبح وسیطاً فی الأزمة السوریة بل عبرت عن قدرتها بوصفها قوة إقلیمیة مؤثرة فی المنطقة، وقد واجهت ترکیا الأحداث التی جرت فی سوریة من خلال استضافة  اللاجئین السوریین وکذلک استضافت قیادات وأفراد المعارضة  واحتضنت مؤتمراتهم، فضلاً عن موقفها فی مصادرة الأسلحة المهربة إلى سوریة عبر معابرها الحدودیة، وفرض العقوبات على النظام السوری بعد قیامه باستعمال العنف ضد المتظاهرین، إذ أعلنت ترکیا عن مجموعة من العقوبات ضد النظام والمسؤولین الذین ارتکبوا جرائم ضد الإنسانیة من وجهة نظرها.

هدف البحث

     یهدف البحث إلى إظهار السیاسات الإقلیمیة تجاه الأزمة السوریة المرتبطة بالعدید من المعطیات التی زادت من تعقیدها وتحولها إلى قضیة إقلیمیة ودولیة، لاسیما أن ترکیا الجارة لسوریة هی احد الفاعلین المتحکمین بالعدید من المرتکزات البیئیة المؤثرة فی الملف السوری، لذا نهدف إلى تحدید الموقف والدور الترکی فی تحقیق مصالحهم فی المنطقة من القضیة السوریة.

إشکالیة البحث

     ینطلق البحث من إشکالیة مفادها أن العلاقات بین ترکیا وسوریة وصلت إلى حد التکامل والتوأمة فی جمیع المجالات قبل أحداث الربیع العربی فی سوریة، وقد أصابها الهبوط عندما عصفت الحرکات الاحتجاجیة الشعبیة بسوریة فی ظل ثورة التغییر، ویمکن طرح عدة أسئلة من خلال الإشکالیة وکالاتی:

-       هل إن الثورة السوریة أثرت على ترکیا وحولت العلاقات من حالة التحالف الاستراتیجی إلى حالة الخلاف الاستراتیجی.

-       ما هی العوامل التی ساعدت على تغییر سیاسة ترکیا تجاه سوریة؟.

-       هل إن ثورة الربیع العربی فی سوریة شکلت استقطاب إقلیمی ودولی تجاه سوریة والمنطقة؟.

فرضیة البحث

     تنطلق فرضیة البحث من أن ترکیا ادت دوراً کبیراً ومهماً فی الأحداث السوریة من خلال فتح بوابه لها فی المنطقة العربیة تکون أول محط قدم لها فی سوریة، کما حاولت ترکیا الاستفادة من الثورة السوریة فی تصحیح موازین القوى الإقلیمیة لمصلحتها من خلال إصرارها على الإطاحة بالنظام السوری المؤید لإیران وإنشاء نظام بدیل یکون حلیفاً لها.

منهجیة البحث

     من أجل الإحاطة علمیاً بتفاصیل موضوع البحث، اعتمد الباحثون عدة مناهج بحثیة ذات صله وثیقه بموضوعه وکالاتی:

-  المنهج التاریخی وذلک لتتبع الأحداث التی حصلت أثناء الثورة السوریة.

-  المنهج التحلیلی بغرض عرض وتحلیل الأسباب التی تقف وراء الحراک الشعبی فی سوریة والمواقف الإقلیمیة والدولیة من الحراک.

-  المنهج الاستشرافی وقد استعملنا هذا المنهج فی محاولة لاستشراف الموقف الترکی تجاه سوریة.

هیکلیة البحث

     قسم البحث إلى مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة ، إذ کان المبحث الأول تحت عنوان: اندلاع الثورة السوریة وأسبابها، وقد سلط الضوء فیه على بدایات الثورة والأسباب المؤججة لها . فی حین جاء المبحث الثانی بعنوان: تداعیات الثورة السوریة. أما المبحث الثالث تحت عنوان: ترکیا والقضیة السوریة، ووضح فیه المواقف والأدوار التی أدتها ترکیا تجاه سوریة. فضلاً عن الخاتمة التی أعطت مجمل الأفکار التی توصل إلیها الباحثون عن الموضوع.

المبحث الأول

 اندلاع الثورة السوریة وأسبابها

    نشأت الاضطرابات فی سوریة وکانت على شکل احتجاجات، وقد تصاعدت الأحداث بین المحتجین وقوات الأمن السوری إلى أن وصل الأمر إلى الاحتدام المسلح، ولاسیما بعد قیام رجال الأمن السوری بفض الاحتجاجات الداعیة إلى الإصلاحات المنشودة، وسنبحث فی ذلک من خلال الآتی:

أولاً : بدایة الثورة السوریة             

     عند اندلاع الثورات فی بعض الدول العربیة ابتداءً من تونس ومروراً  بمصر ولیبیا والیمن لم یکن هناک من یتوقع ان تندلع الثورة فی سوریة لأن النظام فی سوریة کان یحکم بطریقة مرکزیة محکمه وکان مسیطرا على الأوضاع بشکل یصعب معه أی تحرک شعبی، فالحیاة السیاسیة للدولة  کانت مغلقة، أی لا تشارک فیها منظمات المجتمع المدنی ولا نقابات حقیقیة ولا أحزاب أو تجمعات سیاسیة حقیقیة مما یجعل من الصعب اندلاع ثورة فی بلد فیه مثل هذه السیطرة الأمنیة التی تفف على کل شیء فی حیاة المجتمع، فعندما بدأت إرهاصات الثورة السوریة تطفو على السطح  فی 15 کانون الثانی 2011 کانت على شکل تنظیم تظاهرات تضامنیة مع الثورة المصریة من قبل بعض الناشطین السوریین، إلاَّ أنَّ الأمن السوری تصدى لهم وأنهى حراکهم([i])، وفی 17 شباط 2011 تم إغلاق سوق الحریقة فی دمشق من قبل قوات الأمن السوری فتجمع التجار والسکان فی المناطق المحیطة، وردد خلالها المحتجون هتافات تندد بعمل الحکومة، وفی 22 شباط 2011 اعتصم عشرات السوریین أمام السفارة اللیبیة فی دمشق تضامنا مع الثورة اللیبیة أطلق فیها المعتصمون لأول مرة شعارات ضد الحکومات الدیکتاتوریة، وقامت قوات الأمن السوری بفض الاعتصام بالقوة([ii])، وفی 26 شباط 2011 فی مدینة درعا قام الأمن باعتقال خمسة عشر طفلا إثر کتابتهم شعارات تنادی بالحریة وتطالب بإسقاط النظام على جدار مدرستهم، وفی 15 آذار 2011 خرجت تظاهرات ضمت شخصیات من مناطق مختلفة مثل حمص ودرعا ودمشق وفضت بالقوة، وکانت الانطلاقة الحقیقیة للثورة السوریة فی 18 آذار2011 تحت شعار (جمعة الکرامة) خرجت التظاهرات فی مدن درعا ودمشق وحمص وبانیاس وقابلها الأمن بصرامة خصوصاً فی درعا، فسقط أربعة قتلى على ید الأمن السوری فی تلک المدینة، وتحوَّلت التظاهرات لباقی الأسبوع إلى أحداث دامیة فی محیط المسجد العمری ومناطق أخرى من المدینة، وذکرت مصادر ان هذه العملیة أدت إلى مقتل 100 محتج حتى نهایة الأسبوع([iii]). فی 25 آذار2011 انتشرت التظاهرات للمرَّة الأولى لتعمَّ العشرات من مدن سوریة تحت شعار (جمعة العزة) لتشمل جبلة وحماة واللاذقیة ومناطق عدة فی دمشق وریفها کالحمیدیة والمرجة والمزة والقابون والکسوة وداریا والتل ودوما والزبدانی، وواجهها الأمن بالقوة وإطلاق النار فاوقعت 150 قتیلاً، واستمرَّت بعدها بالتوسع والتمدد شیئاً فشیئاً إلى ان أصبح المطلب الاساسی للمتظاهرین هو إسقاط النظام، واستعمل المحتجون مجموعة من السیاسات والتکتیکات مثل الاعلام البدیل کالمواقع الالکترونیة والاعتصامات وکتابة الشعارات المؤیدة للثورة على الجدران وعلى البالونات الطائرة للتأکید على سلمیة الثورة، إلاَّ أنَّ کل ذلک لم یؤد إلى نجاح الثورة ومن ثم تحولت إلى ثورة مسلحة([iv]).

ثانیاً : أسباب الثورة السوریة

    هنالک أسباب عدیدة أدت إلى انطلاق شرارة الثورة السوریة ویمکن تجمیعها ضمن ثلاثة أنواع وهی :

1. الأسباب السیاسیة والأمنیة

    حقیقة لم تکن توجد حیاة سیاسیة فی سوریة بالمعنى الحقیقی منذ تولی حزب البعث عام 1963 الحکم، بمعنى أنه لیس هناک رأی للشعب فی أوضاعه المختلفة، أی أنه لا توجد مشارکة من أطیاف الشعب المختلفة فی قیادة البلاد وتوجیهها، ولم تکن هناک انتخابات حقیقیة اذ یفوز الحزب الحاکم فی جمیع الانتخابات بنسب غیر واقعیة ولیس هناک تداول للسلطة، بل إن الحیاة السیاسیة اختزلها الحزب –فی البدایة- بأعضائه، ثم أصبحت أسرة الأسد هی محور الحیاة السیاسیة وجوهرها، إذ ان أغلب قیادة السلطات بیده فهو کان رئیس الجمهوریة والقائد الأعلى للقوات المسلحة والأمین العام للقیادة القومیة وکذلک للقیادة القطریة، وکذلک سیطر الحزب من خلال أجهزة  الأمن حتى على انتخابات النقابات والاتحادات مما جعل الشعب یعیش فی حالة اختناق سیاسی([v]).  

ومن جهة أخرى عطّل نظام الأسد کل عوامل الحیاة الطبیعیة فی سوریة وربطها بالأجهزة الأمنیة، فکانت الأجهزة الأمنیة هی عصب النظام الحاکم، لذلک تعددت الأجهزة الأمنیة، وربط النظام هذه الأجهزة بکل شؤون المواطن من سفر وتصدیر وبیع وشراء وتجارة وتعلیم وإعلام، وهذا ما جعلها تتوغل فی کل مفاصل حیاة المجتمع السوری، لذا یمکن القول بأن الأجهزة الأمنیة کانت عاملاً رئیساً فی دعوة الشعب السوری للقیام بالثورة([vi]).

2. الأسباب الاقتصادیة والاجتماعیة

     على الرغم من أن الاقتصاد السوری شهد معدلات نمو مرتفعة نسبیا خلال المدة الواقعة بین عامی 2001-2010 بمعدل نمو 4.45% إلاَّ أنَّ نصیب الفرد من إجمالی الناتج المحلی انخفض بکثیر اذ وصل إلى 2.0% ولم یصل نصیب الفرد إلى مستوى الدول النامیة الناجحة، وکان التذبذب من المعالم الرئیسة لعملیة النمو الاقتصادی فی سوریة، وکان قطاعی تجارة الجملة والتجزئة والخدمات الحکومیة المساهمان الأساسیان فی النمو الاقتصادی خلال تلک المدة ویلیهما قطاعات النقل والمواصلات والصناعات التحویلیة والعقارات والتشیید والبناء، فی حین کان إسهام القطاعات الاستخراجیة فی النمو سلبیاً بسبب تراجع الإنتاج وقد أصبحت سوریة دولة مستوردة صافیة منذ عام 2006 بعد أن کان النفط فیه مصدرا رئیسیا للصادرات فی الموازنة الحکومیة وشکل هذا التحول تحدیا جوهریا للإدارة الاقتصادیة([vii])، وشهد القطاع الزراعی أزمة حادة نتیجة الجفاف وإساءة استعمال الموارد المائیة مما أثر سلباً على فرص العمل وأسعار السلع والأمن الغذائی، فکان الاستهلاک الخاص هو العامل الاساسی لزیادة نمو الاقتصاد خاصة بعد هجرة أعداد کبیرة من العوائل العراقیة إلى سوریة بعد عام 2003، بینما کان الاستثمار العام متواضعاً، وکان معدل البطالة فی حدود 8% تقریبا وتزاید عدد الفئات المهمشة اقتصادیا واجتماعیا تزامناً مع عدم قدرتهم على المشارکة السیاسیة الفعالة من خلال التعبیر والدفاع عن مصالحهم، وکان التوظیف فی القطاع العام ضعیفاً وکان غالبیة العمال فی القطاع الخاص محرومون من أی شکل من أشکال الضمان الاجتماعی، وقد ارتفع معدل الفقر خلال المدة بین عامی 2004-2009 حسب مؤشر الفقر الأعلى اذ بلغ معدل الفقر فی سوریة 12% تقریبا([viii]).

والجدیر بالذکر أن سلطة الحکومة قامت بمصادرة الأراضی بحجة استخدامها لأغراض المنفعة العامة مما اضطر المواطنین الذین صودرت أراضیهم ومزارعهم للعیش فی ضواحی المدن وفی مساکن عشوائیة محرومة من الخدمات الحیاتیة وقد بلغت نسبتها 42%، أما عن حالة الفقر وفق التقریر الوطنی الثانی وصلت فی عام 2010 إلى نسبة 34.3%  من إجمالی السکان، وحسب التقریر نفسه وصل معدل البطالة إلى 16.5%، وانخفضت قدرة الناس الشرائیة نحو 28% خلال الأعوام العشرة الماضیة([ix]).

3. أسباب تتعلق بظاهرة الربیع العربی

    یعد عامل المحاکاة أو الانتشار أو العدوى من أحد الأسباب التی تؤدی إلى حدوث الثورات فی دول متشابهة من حیث المشاکل والظروف الاقتصادیة والاجتماعیة والسیاسیة، وخاصة فی الدول المتقاربة جغرافیا، وازدادت أهمیة هذا العامل مع الثورة التکنولوجیة العالمیة وثورة الاتصالات التی جعلت العالم بمثابة قریة صغیرة، إذ أصبح من الصعب على الحکومات الدیکتاتوریة السیطرة على عملیة تدفق المعلومات من وإلى العالم الخارجی وأن تحجب عن شعوبها معلومات عن سقوط الأنظمة الدیکتاتوریة فی الدول الأخرى، ولهذا فإن نجاح الثورة فی دولة ما سیشجع شعوب الدول الأخرى على القیام بالثورة من أجل التخلص من أنظمتها([x]).

المبحث الثانی

 تداعیات القضیة السوریة

     کان هدف الثورة السعی إلى تغییر جذری فی کافة الاصعدة، لذا من المؤکد أن توجد أطراف وأشخاص تتضرر مصالحهم من ذلک التغییر فیحاولون منع حدوثه، وبالمقابل توجد أطراف أخرى ترغب فی حدوث التغییر من أجل أهداف معینة، لاسیما الثورة السوریة التی تحولت إلى أزمة مرکبة ومعقدة جداً، وهی لیست کأی أزمة أخرى، إذ تعد نموذجاً لأزمة محلیة استقطبت أطرافاً إقلیمیة تم استدعت تدخلا دولیا مما یعنی إنها دخلت دائرة التدویل وبالتالی أفرزت وضعاً عالمیاً یتطلب جهوداً کبیرة لحلها، وسنبین ذلک فی الاتی:

أولاً : تداعیات الاحداث السوریة على المستوى الخارجی

    شهدتمنطقة الشرق الأوسط ومنذ مده طویلة تقسیماً وتهمیشاً عاشته فی زمن الاحتلال الفرنسی والبریطانی، وباتت تعیشه فی صورة صراعات استراتیجیة بین قوى إقلیمیة ودولیة لأجل توسیع النفوذ، وعندما شهد الوطن العربی ولاسیما المشرق العربی فی أواخر 2010 وبدایة 2011 موجة من الاحتجاجات والحرکات الشعبیة الرافضة للوضع القائم، والطامحة للتغییر نحو الأفضل، والقضاء على الأنظمة الدیکتاتوریة، لتفتح الطریق أمام أنظمة دیمقراطیة تنادی بمبادئ حقوق الإنسان، وکانت سوریة من هذه الدول التی عایشت هذا الوضع الذی کان بدایته احتجاجات سلمیة ذات أبعاد اجتماعیة وسیاسیة وحتى اقتصادیة مطالبة بتحسین المستوى المعیشی([xi])، لیتطور الوضع فیما بعد إلى مواجهات عنیفة بین المؤیدین والمعارضین، واستعمل النظام شتى أنواع العنف لإخماد الثورة، مما حول الثورة إلى حرب أهلیة دمویة بین مختلف الطوائف، لذلک تعیش سوریة حالة صراع مزمن عمل على إحداث نوع من التغییر فی موازین القوى فی المنطقة، ولهذا نجد على الساحة کل من ترکیا وإیران تحاولان أن یکون لهما دوراً وحضوراً فی مستقبل المنطقة، وکذلک (إسرائیل) تحاول حمایة مصالحها، فضلاً عن دول الخلیج العربی والقوى الکبرى مثل أمریکا وروسیا([xii]).

    شکلتً الثورة السوریة حالة من الاستقطاب الدولی وبؤراً من الاستقطاب الإقلیمی بشکل أکبر نتیجة التقارب الجغرافی والتداخل المذهبی والاختلاف الایدیولوجی وحجم المصالح والصراع على النفوذ والتهدیدات التی قد تواجههم نتیجة الثورة والفرص المتاحة أمامهم لتحقیق أهدافهم([xiii]).

    فبالنسبة لتداعیات الثورة على ترکیا أثرت الثورة على العلاقات الترکیة السوریة بحیث أدت إلى تحول تلک العلاقات من التحالف الاستراتیجی إلى الخلاف الاستراتیجی نتیجة دعم ترکیا للمعارضة والجیش الحر وبالمقابل أستخدم النظام السوری الکورد کورقة ضغط ضد الحکومة الترکیة من خلال سحب الجیش من المدن السوریة على الحدود الترکیة وترک أمر حمایتها لعناصر حزب الاتحاد الدیمقراطی الکردی الذی یعتبر حلیفا لحزب العمل الکردستانی الترکی PKK المعارض وهی قلقة من انتقال الأحداث الأمنیة إلیها ولذلک قدمت مقترحا لإقامة منطقة عازلة فی الشمال السوری لغرض حمایة أمنها من أیة قوة قد تدخل إلى الأراضی السوریة مستقبلا([xiv]).

أدت الثورة السوریة إلى حدوث توتر فی العلاقات الترکیة الایرانیة فوضعت کلا البلدین فی مفترق طرق وکشفت عن وجود تناقض فی الأجندات الإقلیمیة لکلا البلدین، فحاولت ترکیا إخراج سوریة من المحور الایرانی بهدف تقلیص نفوذها فی المنطقة کلها وتقدیم الدعم اللوجستی للجیش الحر السوری مما أعتبرته إیران خطرا على أمنها القومی وبالتالی تفاقم الأزمة بین البلدین([xv]).

    والجدیر بالذکر أن الثورة السوریة قد أدت إلى حدوث توتر فی العلاقات الإیرانیة – الخلیجیة لان الأخیرة تخشى من تمدد النفوذ الإیرانی فی سوریة، فالدول الخلیجیة بالمقابل تسعى لبسط نفوذها فی المنطقة الذی سیکون عائقاً أمام طموحات إیران الإقلیمیة وسیؤدی ذلک إلى تکریس حالة الصراع فی العلاقة بین إیران من جهة ودول مجلس التعاون الخلیجی من جهة اخرى بسبب الخلاف حول کیفیة التعامل مع الثورة السوریة، فإیران تؤید النظام وتدعمه لوجستیاً وبالمقابل تقوم بعض دول الخلیج لاسیما السعودیة وقطر بدعم المعارضة السوریة وخاصة المجلس الوطنی السوری الحر، فضلاً عن ذلک أثرت الثورة السوریة على علاقة إیران بحرکة حماس، فالأخیرة انحازت إلى المعارضة السوریة وعملت على دعمها منذ بدایة الثورة مما أدى إلى حدوث توتر فی العلاقات بینها وبین إیران التی کانت تدعم حرکة حماس وتستعملها کورقة ضغط فی کثیر من الأحیان ضمن سیاساتها الخارجیة وبالتالی خسرت إیران حرکة حماس کحلیفة لها فی المنطقة، وهذا سیؤدی إلى تقلیص الدور الإیرانی تجاه القضیة الفلسطینیة بسبب الثقل السیاسی لحرکة حماس على الساحة الفلسطینیة([xvi]).

وبالنسبة لتداعیات الثورة على (اسرائیل) کشفت الثورة السوریة عن مجموعة من التداعیات على (اسرائیل) منها اختلال توازن القوى فی المنطقة فی حالة انهیار نظام الاسد ووصول حرکات الإسلام السیاسی إلى الحکم وتصبح نقطة جذب للحرکات والجماعات المسلحة المتشددة بحیث یؤدی إلى إیجاد بیئة أمنیة مغایرة لسابقتها مما یفرض على (اسرائیل) تغییر عقیدتها الأمنیة وزیادة میزانیة الأمن مما یفرض علیها أن تتقشف فی مجالات أخرى مثل تقلیص مخصصات الضمان الاجتماعی الأمر الذی سیقود لمخاطر اجتماعیة([xvii]).

أما بخصوص تداعیات الثورة السوریة على الأُردن، فقد حاولت الأخیرة فی بدایة الأمر اتباع سیاسة عدم التدخل لکی لا یتأثر الداخل الأردنی بها وأن لا تصبح الأردن ضحیة الحرب التی حدثت على الساحة السوریة، وبسبب تطور أحداث الثورة حدث تحول فی الموقف الأردنی من محاولة احتواء الأحداث إلى محاولة دعم الثورة من خلال استقبال اللاجئین والدعم للمعارضة المعتدلة، اذ تنظر حکومة الأردن بقلق شدید إلى نشاطات الجماعات المتطرفة فی سوریة باعتبارها تمثل تهدیداً لها، وتزاید خوف الأردن من تهریب الأسلحة والمتطرفین عبر الحدود مما سیؤثر على أمنها الداخلی، ومن جانب آخر أن استمرار الثورة السوریة قد أثر بشکل کبیر على الاقتصاد الأردنی بسبب زیادة عدد اللاجئین السوریین([xviii]).

وبالنسبة لتداعیات الثورة السوریة على العراق، اختلفت ردود الأفعال فی العراق تجاه الثورة السوریة، فالموقف الشعبی کان یساند الثورة منذ البدایة إلاَّ أنَّ الموقف الرسمی ساند النظام السوری، إذ اتخذت الحکومة العراقیة العدید من القرارات المساندة للنظام السوری مثل تحفظ العراق عن التصویت على قرار الجامعة العربیة الخاص بتعلیق عضویة سوریة ومنح مقعدها للمعارضة الصادر فی 23 تشرین الثانی 2011 وکذلک الحال بالنسبة لقرار مجلس الجامعة الخاص بالعقوبات الاقتصادیة على النظام  السوری([xix])، کما هو معروف أن الوضع الداخلی للعراق لم یکن مستقرا من الناحیة الأمنیة قبل الثورة، وأن العراق یتخوف کثیراً من تزاید نفوذ الجماعات المتطرفة والمسلحة على الحدود العراقیة السوریة مما أثر کثیراً على الوضع الأمنی فیها مثل داعش التی نشأت فی سوریة وتطورت هناک ومن ثم هاجمت عدداً من مدن العراق وسیطرت علیها وأحدثت فیها الدمار والخراب وقامت بارتکاب المجازر ضد أهلها من المدنیین الأبریاء، ومن جهة أخرى ساهمت الثورة السوریة فی إحداث نوع من التحول فی موازین القوى بین کل من إیران والعراق وسوریة، فإیران باتت تبحث عن حلیف بدیل للنظام السوری من أجل الحفاظ على مصالحها الإقلیمیة مما ادى إلى تزاید التدخل الإیرانی فی العراق([xx]).

    أما فیما یتعلق بتداعیات الثورة على لبنان، یعتبر لبنان من اکثر دول الجوار السوری تأثراً بالثورة السوریة نظراً للعلاقات المتداخلة بین البلدین والتی تعد سوریة الطرف الأقوى فیها خاصة فی ظل وجود أحزاب سوریة مؤیدة للنظام السوری تحت مسمى تحالف قوى 8 آذار والذی یضم حزب الله وبعض الأحزاب السیاسیة الاخرى ، وعندما بدأت الثورة السوریة اتبعت لبنان سیاسة الحیاد والابتعاد عن سیاسة المحاور، وبالمقابل کانت هناک تکتل لقوى مناهضة للنظام السوری تسمى بقوى 14 آذار، هذا ما أدى إلى تزاید حدة الاستقطاب بین الاحزاب السیاسیة اللبنانیة قد وصلت فی بعض الأحیان إلى وقوع حوادث ومشاحنات بین الطرفین، إلاَّ أنَّ لبنان تمکنت من استیعاب الأزمة السوریة، ورغم ذلک فإن استمرار الأحداث فی سوریة أثر على الداخل اللبنانی مثل حدوث خلل أمنی على الحدود وحالات من عدم الاستقرار فی المدن المتاخمة للحدود بین البلدین، وازدیاد نسبة البطالة نتیجة تزاید أعداد اللاجئین السوریین الذی وصل إلى 1.1 ملیون لاجئ داخل الأراضی اللبنانیة([xxi]).

ثانیاً : تداعیات الاحداث السوریة على المستوى الداخلی 

    لاشک أن الثورة السوریة التی طال أمدها والتی تزداد تعقیداتها یوما بعد یوم والتی تحولت إلى أزمة مرکبة وبالغة التعقید فی ظل تعدد أبعادها واتجاهاتها بحیث حولت سوریة إلى ساحة للحرب الأهلیة الداخلیة من جهة وحرب بالوکالة بین الدول الإقلیمیة والقوى العظمى من جهة أخرى، من دون شــک ستــترک هــذه الثــورة تـداعـیــات کـبـیـرة وبـالـغـة الخـطـورة عـلـى المستوى الداخلی ومن حیث جمیع نواحی الحیاة سواء سیاسیا أو اجتماعیا أو اقتصادیا أو ثقافیا.

1. التداعیات السیاسیة والأمنیة للثورة السوریة 

    أدت الثورة السوریة إلى حرب أهلیة تدیرها قوى إقلیمیة إذ عملت على تقسیم المجتمع السوری إلى کیانات سیاسیة صغیرة،  وسیطر کل کیان على مدینة أو مجموعة من المدن، وهذا ما أدى إلى انحسار سلطة الدولة وغیاب دور الحکومة المرکزیة على أجزاء واسعة من البلاد وتراجع قدرة المؤسسات الحکومیة على القیام بواجباتها فی حفظ الأمن مما أدى إلى تمزیق الدولة وانهیار السلطة فی بعض المدن السوریة([xxii]).

وبسبب افتقار الثورة السوریة إلى قیادة سیاسیة وعسکریة موحدة ومتماسکة کان الشباب الذین ینضمون إلى الثورة وینتمون إلى نفس المنطقة یتجمعون لیشکلون میلیشیات مؤقتة وکانوا یتسلحون ببنادق واعتدة غنموها من الجیش السوری، ومن ثم بدأت القوى الإقلیمیة والدولیة بتسلیح هؤلاء المقاتلین لتحاول کل من هذه القوى أن تجد قوة تمثل أهدافها السیاسیة حتى یکون لها موطئ قدم فی سوریة بعد الإطاحة بنظام الأسد([xxiii]).

2. التداعیات الاقتصادیة والاجتماعیة للثورة السوریة 

    تحولت الثورة السوریة إلى أزمة بالغة التعقید لذا کان لها تداعیات وآثار اقتصادیة کبیرة، إذ إنَّها تسببت فی إدخال أکثر من ستة ملایین شخص فی دائرة الفقر، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة ووصول بعض الحالات إلى حدوث کوارث إنسانیة بسبب الحصار المفروض على المدن والحرب بین النظام والقوات المعارضة له، فضلاً عن تدهور سعر صرف اللیرة السوریة إلى أدنى مستوى لها وارتفاع معدلات التضخم نتیجة انخفاض الإیرادات الحکومیة بنحو 25% بسبب فقدان النظام على الجزء الأکبر من الأراضی الغنیة بحقول النفط([xxiv]). 

    أدت العقوبات الاقتصادیة المفروضة على النظام السوری وهجرة رؤوس الأموال والخبرات إلى خارج البلاد إلى انکماش الاقتصاد السوری بنسبة 40% تقریبا، کما ادت الحرب إلى تدمیر البنیة التحتیة وانهیار القطاع الصناعی نتیجة توقف المنشآت الصناعیة عن العمل وتراجع معدل الصادرات وارتفاع تکالیف الإنتاج([xxv]).

    أما من الناحیة الاجتماعیة فقد ترکت الثورة السوریة آثاراً سلبیة کبیرة، اذ أحدثت اختلالات کبیرة فی البنیة الاجتماعیة، وأدت إلى تدهور کبیر فی العلاقات الاجتماعیة نتیجة انتشار التطرف والتعصب والتی أثرت سلبا على قیم وسلوکیات المجتمع من خلال تأجیج سلوک الانتقام بین فئات المجتمع بحیث أدى إلى فقدان الانسجام والتضامن بین طبقات المجتمع السوری، فضلاً عن اختلال کبیر فی التوزیع السکانی على الأراضی السوریة بسبب اشتداد العنف المسلح، وکذلک حدوث تزاید فی التفاوت من حیث توزیع الدخول والثروات وتناقص فی الخدمات المقدمة للقطاعین الصحی والتعلیمی([xxvi]).

    والجدیر بالذکر إنَّ الثورة  السوریة أدت إلى تزاید أعداد النازحین قسراً من مدنهم لاسیما فی مناطق التماس والصراع خوفاً من الاعتقالات العشوائیة التی تقوم بها قوات النظام أو خوفاً من قیام قوى المعارضة بإعادة توزیعهم فی مناطق أخرى قریبة من دوائر الصدام، وقد بلغت أعداد النازحین نحو 4.25 ملیون نازح داخل سوریة، هذا فضلاً عن هجرة أعداد کبیرة من السوریین إلى خارد البلاد فی دول الجوار وسکنهم فی مخیمات للاجئین، إذ وصلت أعدادهم فی تلک الدول إلى أکثر من ملیونی لاجئ بحیث شکلت ضغطاً على البیئة الاقتصادیة والاجتماعیة لهم، أو للدول الأوربیة التی طُلب اللجوء إلیها([xxvii]).

المبحث الثالث

 الدور الترکی فی القضیة السوریة

     اتخذت ترکیا تجاه تطورات الحراک الشعبی الذی حدث فی سوریة ورؤیة وموقفاً بما یتناسب مع أهمیة المصالح الاقتصادیة والأمنیة لها، إذ أعلنت ترکیا عن تعلیق العلاقات والاتفاقات الموقعة بین الطرفین وطالبت بإجراء اصلاحات لتلبیة مطالب المحتجین، وقد وصل التوتر إلى حد التهدید بالتدخل العسکری الترکی فی سوریة .

    یرى البعض بأن ترکیا حظیت فی المدة قبل اندلاع ثورات الربیع العربی بقبول جید من قبل طرفی المعادلة فی العالم العربی أی محوری الاعتدال والممانعة، إلاَّ أنَّ ثورات الربیع العربی أدت إلى حدوث خلل فی هذین المحورین وبجمیع توازنات المنطقة، وهزت معها أسس السیاسة الخارجیة والإقلیمیة لترکیا، إذ تحول عمقها الاستراتیجی إلى ساحة للصراعات الدامیة، وفشلت نظریة (صفر مشاکل) فی التجاوب مع التطورات المتسارعة التی حولت الإقلیم إلى (صفر هدوء)، وکذلک عجزت قوتها الناعمة عن تحقیق انجازات مهمة فی المنطقة بعد أن أصبحت ترکیا طرفا فی حالة الاستقطاب بسبب مواقفها من ثورات الربیع العربی بشکل عام والثورة السوریة بشکل خاص([xxviii]).

    فمنذ الأیام الأولى للثورة السوریة حاولت ترکیا أن تؤدی دورا فیها ؛ لأنها لم تستطع تجاهل حدثٍ مهمٍ کهذا فی دولة جارة لها ومهمة بالنسبة لها مثل سوریة، ولهذا مرَ الدور الترکی بعدة مراحل تبعاً لتطورات الأحداث فی الداخل السوری سیاسیا وأمنیا وکذلک تبعا للمواقف الدولیة من الأزمة السوریة([xxix]).  

المرحلة الأولى : مطالبة النظام السوری والضغط علیه لإجراء إصلاحات شاملة

    امتدت هذه المرحلة منذ بدایة التظاهرات السوریة فی آذار 2011 وحتى سحب السفیر الترکی من دمشق فی آذار 2012، ففی بدایة الأمر رأت ترکیا بأن المشکلة السوریة هی أزمة داخلیة وحاولت مبکرا تفادی الأحداث إذ إنَّه لیس فی مصلحتها أن یتأزم وضع سوریة الجارة لها وأن تتحول الساحة السوریة إلى فوضى لأنه سیوثر على أمنها وأوضاعها الداخلیة، لذا تحرکت ترکیا على الصعید الدبلوماسی فأصدرت الخارجیة الترکیة عدة بیانات أکدت فیها على العلاقات الراسخة بین البلدین، وأعربت عن اسفها لما نتج من وفیات وطالبت بمحاسبة  المتورطین فی الأحداث وإطلاق سراح المعتقلین([xxx]).

       حاولت ترکیا من خلال بذل الجهود الدبلوماسیة إقناع الرئیس السوری بشار الأسد بإتباع نظام دیمقراطی تعددی اصلاحی على المستوى الداخلی یساعد على تلبیة نداء الجماهیر الغاضبة ضد السلطة الحاکمة من جهة⁽[xxxi]⁾، فضلاً عن عدم السماح للدول الکبرى باستغلال تلک الاحداث والتدخل فی الشأن السوری سیاسیاً وعسکریاً من جهة أخرى⁽[xxxii]⁾.

وطالبت النظام السوری بإجراء بعض الاصلاحات لتجنب الأسوأ، وبعد ذلک قام الرئیس الترکی رجب طیب أردوغان  بإجراء إتصالین هاتفیین مع نظیره السوری بشار الأسد وقدم له النصح من أجل احتواء الموضوع ، فأصدرت الخارجیة الترکیة بیاناً فی 25 آذار2011 شدد على العلاقات الراسخة التی تربطها مع سوریة، الآمر الذی دفعها أن تعطی أهمیة کبیرة للقضیة فی سبیل تحقیق الرفاة والاستقرار للشعب السوری الشقیق([xxxiii])، فضلاً عن زیارة وزیر الخارجیة الترکی آنذاک أحمد داود أوغلو إلى دمشق فی 6 نیسان 2011 لذات السبب وکذلک زیارة وفد یرأسه رئیس جهاز الاستخبارات حاقان فیدان لتقدیم الکثیر من النصح والإرشاد للرئیس السوری ونظامه للقیام بمجموعة من الاصلاحات والانفتاح على مطالب الشعب السوری، وعدم استعمال القوة ضد المتظاهرین، وابدت الحکومة الترکیة دعمها الکامل واستعدادها لتوفیر کافة السبل والامکانات اللازمة لتحقیق الاصلاح فی اسرع وقت⁽[xxxiv]⁾.

ویضیف البعض بأن جمیع الاتصالات التی أجریت بین النظام السوری والمسؤولین الأتراک فی بدایة الاحتجاجات والتظاهرات السوریة ترکزت على ضرورة وقف الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرین والقیام بإصلاحات داخلیة على جمیع المستویات والاستجابة لمطالب الشعب المشروعة دون تأخیر([xxxv]). 

جاء الموقف الترکی نابعا من عدة اعتبارات منها دعم ترکیا لعملیة التغییر فی الدول العربیة التی سبقت سوریة وکذلک نظرا لعلاقاتها الجیدة مع النظام السوری وبشار الأسد التی وصلت إلى مستوى العلاقات العائلیة الجیدة بینهما قبل انطلاق الثورة إذ کانت بینهما عدة اتفاقیات اقتصادیة فضلاً عن التعاون الاستراتیجی بینهما، وکذلک خشیة ترکیا من انزلاق الأحداث وتدحرجها إلى فوضى عارمة تضر بکلا البلدین([xxxvi]).

لم یقبل النظام السوری النصائح والمشورة الترکیة واستمر فی قمع المتظاهرین ضده، وهذا الأمر دفع ترکیا إلى التخلی عن نهج إبداء الثقة بنظام الأسد ودعمه لتنفیذ ما وعد به من إصلاحات، ومن ثم أخذت الحکومة الترکیة بممارسة الضغوط على النظام السوری على جمیع الأصعدة السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة وقامت بدعم جمیع القرارات التی أصدرتها الهیئات والمؤسسات الإقلیمیة والدولیة ضد النظام السوری([xxxvii]).

وهناک من یرى بأن ترکیا حاولت اقناع النظام السوری بتشکیل حکومة وحدة وطنیة تشمل ممثلین عن الاخوان المسلمین المعارضین للنظام بحیث یضمن لترکیا نفوذا واسعا داخل سوریة إلاَّ أنَّ محاولتها هذه باءت بالفشل مما دفع ترکیا إلى إعلان تأییدها للثورة ومعارضتها للنظام عن طریق احتضانها لقوى المعارضة السوریة([xxxviii]).

المرحلة الثانیة : القطیعة مع نظام الأسد ودعم المعارضة 

    رأت حکومة ترکیا فی الثورة السوریة فرصة ذهبیة فی تصحیح موازین القوى الإقلیمیة لمصلحتها من خلال إصرارها على الاطاحة بالنظام السوری المؤید لإیران وإنشاء نظام بدیل له یکون حلیفا لها، والجدیر بالذکر أن ترکیا عملت وبتنسیق مع الولایات المتحدة الأمریکیة من أجل إسقاط النظام السوری فبدأت تدعم المطالب السیاسیة للمعارضة السوریة([xxxix]).

    ویرى آخرون بأنه نتیجة لاستمرار النظام السوری باستعمال القوة ضد المتظاهرین واتساع التظاهرات وعدم التعامل مع النصائح المقدمة من قبل ترکیا بجدیة، أدت إلى أن تعید ترکیا حساباتها وأخذت بالتراجع عدة خطوات فی علاقاتها مع سوریا وأعلنت إنها مضطرة للقیام  بما یجب علیها، إذ استضافت نحو ملیونی لاجئ سوری ضمن سیاسة الباب المفتوح، وقال الرئیس الترکی أردوغان: "أن بلاده لن تغلق أبوابها امام الشعب السوری حتى لو کلف ذلک خزانة الدولة الترکیة عشرات الملایین من الدولارات"⁽[xl]⁾، وکذلک وفرت ترکیا المناخ المناسب لاستضافة المعارضة السوریة ومعظم قیاداتها السیاسیة، واحتضنت أغلب مؤتمراتهم مثل مؤتمر أنطالیا تحت اسم (المؤتمر السوری للتغییر) وکان من أهم مقرراته دعم الثورة السوریة والدعوة لإسقاط النظام السوری([xli]).

    شارکت ترکیا فی اجتماعات تأسیس مجموعة (أصدقاء سوریة) والهدف منه الضغط على الحکومة السوریة لتلبیة المطالب والقیام بالإصلاحات المطلوبة من قبل الشعب السوری⁽[xlii]⁾، وساهمت فی تشکیل اعتراف دولی بالمعارضة السوریة السیاسیة التی قدمت لها الدعم اللوجستی والمادی وأمدت بعض فصائل المعارضة السوریة بالسلاح وخاصة مجموعات الجیش الحر والفصائل الترکمانیة([xliii]).

    رعت ترکیا عقد نشاط معارض من نوع اخر لسوریة سمی بمؤتمر (عشائر سوریة)، کما عقد مؤتمر آخر للمعارضة السوریة فی اسطنبول فی 16 تموز 2011 باسم مؤتمر(الإنقاذ الوطنی) الذی أعلن عن حکومة ظل وحضر فیها نحو 350 معارضاً وانتخبوا مجلس انقاذ مکون من 25 معارضا من الخارج على ان یتم انتخاب 50 عضوا آخرین من الداخل ودعا المؤتمر إلى نقل السلطة فی سوریة سلمیا إلى حکومة وطنیة تمثل جمیع أطیاف المعارضة السوریة لإدارة المرحلة الانتقالیة([xliv]).

    قامت ترکیا بتنظیم تظاهرات مستمرة ضد النظام السوری أمام السفارة السوریة فی أنقرة، وحثت الإعلام الترکی على تغطیة مؤتمرات المعارضة السوریة فی ترکیا، وترتیبات إقامة المخیمات للاجئین السورین، هذا فضلاً عن ترتیب زیارات للمسؤولین الدولیین بخصوص اللاجئین مثل مسؤولی مفوضیة شؤون اللاجئین ومفوضیة حقوق الإنسان التابعة لهیئة الأمم المتحدة ومجلس اوروبا([xlv]). ورأت بأنه من الضروری قطع العلاقات مع النظام السوری بشکل تام والتوجه نحو دعم المعارضة السوریة المعتدلة والعمل مع المجتمع الدولی من أجل تغییر النظام السوری، فقامت بطرد جمیع الدبلوماسیین السوریین من أنقرة فی 31 ایار 2012، وعملت ترکیا على تشکیل تحالف دولی خارج مجلس الأمن الدولی بسبب سعی روسیا من خلال استعمالها للفیتو أربع مرات فی مجلس الأمن الدولی لإفشال إصدار قرار دولی یدین نظام الأسد⁽[xlvi]⁾، وطالبت بإقامة منطقة حظر جوی فی شمال سوریة([xlvii])، وقامت بنشر قواعد صواریخ الباتریوت التابعة لحلف الشمال الأطلسی (الناتو) على حدودها الجنوبیة([xlviii])، وعد ذلک دعماً میدانیاً للمعارضة السوریة فی مواجهة النظام، واعدَّت ترکیا بأن نظام الأسد فاقد للشرعیة ونادت بضرورة إسقاطه وإنقاذ سوریة والشعب السوری منه، وهذا الأمر کان متناقضا بشکل تام مع توجهات النظامین الروسی والإیرانی بشأن سوریة، وکذلک کان مختلفا مع رؤیة أمریکا وأوروبا اللذین رکزا على مکافحة الإرهاب فی سوریة([xlix]).

    قامت ترکیا بتشدید الرقابة على جمیع معابرها الحدودیة وإقلیمها البحری والجوی لمنع تهریب الأسلحة للنظام السوری، فأوقفت العدید من الشحنات المهربة من إیران إلى سوریة عبرها وأجبرت الطائرات الإیرانیة المتجهة إلى سوریة عبر أجوائها فی الهبوط من أجل تفتیشها، وبالفعل قامت بمصادرة حمولة بعض الطائرات، واحتجزت السلطات الترکیة سفناً کانت تنقل أسلحة من إیران إلى سوریة، کما قامت الطائرات الحربیة الترکیة بإرغام الطائرة الارمنیة القادمة من روسیا إلى سوریة بالهبوط على الأراضی الترکیة لوجود معلومات استخباراتیة على انها محملة بقطع غیار لرادارات روسیة الصنع تستعملها سوریة ضد الصواریخ ارض_ جو([l]). 

وقامت ترکیا بفرض مجموعة من العقوبات المالیة على النظام السوری والمسؤولین السوریین الکبار مثل تعلیق العمل بمجلس التعاون الاستراتیجی الترکی –السوری وتجمید اموال بعض رموز الحکومة السوریة، وإیقاف القروض المقدمة لها([li]).

المرحلة الثالثة: تأهب ترکیا للتدخل العسکری فی القضیة السوریة

     منذ بدایة الأزمة السوریة أهتمت ترکیا ورکزت على التعاطی الأمنی والعسکری والاستخباراتی معها، إذ فوض البرلمان الترکی الحکومة بشن عملیات عسکریة خارج الحدود الترکیة وداخل الأراضی السوریة وکان هذا الأمر بمثابة انتقال نحو الحرب العسکریة المباشرة مع النظام السوری بدلاً من أسلوب الحرب الناعمة المتمثلة فی بدعم المعارضة السوریة سیاسیا وعسکریا، فأعطى أردوغان توجیهات للمؤسسة العسکریة للاستعداد لأی تطورات أمنیة محتملة ناتجة عن القضیة السوریة، ودراسة کافة الخیارات للقیام بها عند الضرورة، والقیام بخطوات أمنیة فعالة من أجل حمایة الحدود وقامت باتخاذ خطوات وترتیبات الاحتیاط العسکری، منها نشر قوات کبیرة على الحدود الترکیة السوریة  لم یسبق لها مثیل، وقامت بإجراء مناورات عسکریة على الحدود الترکیة السوریة فضلاً عن نشر مدافع وصواریخ مضادة للطائرات على الحدود بین البلدین([lii]).

     وخیر دلیل على ذلک هو قیام سلاح الجو السوری فی 22 حزیران 2012 بإسقاط طائرة عسکریة ترکیة کانت تحلق داخل الأراضی السوریة مما أدى إلى توتر العلاقات بین البلدین بشکل أکبر والتی اعتبرتها ترکیا حادثا خطیرا وتهدیدا مباشرا لها، إذ أصبحت تلک الحادثة مبررا لإمکانیة التدخل العسکری الترکی فی سوریة من أجل الحفاظ على أمنها القومی، کما أبلغت ترکیا الولایات المتحدة الأمریکیة بأن تلک الحادثة تستحق التدخل العسکری، لکن سرعان ما قامت دمشق بتقدیم اعتذار ذکرت فیه أن تلک الحادثة حدثت بالخطأ، وبذلک اعتبرت ترکیا أن القضیة السوریة تشکل خطراً على أمنها القومی وخاصة فی ظل تطور العامل الکردی على حدودها الجنوبیة ولاستفادة المعارضة الترکیة من تداعیات القضیة السوریة، لذا حاولت ترکیا إقامة منطقة عازلة أو منطقة حظر جوی داخل الأراضی السوریة التی تقع بالقرب من حدودها، إذ إنَّ رغبة ترکیا ومحاولتها بإقامة المنطقة العازلة سیجعل من ترکیا الفاعل الرئیس فی شمال سوریا ویحبط الطموحات الکردیة الخاصة بــــــــ(استنساخ) تجربة شمال العراق([liii]).

إلاَّ أنَّه بالمقابل هناک من یرى بأن ترکیا لاترید توریط نفسها منفردة فی حرب مباشرة مع سوریة لعدة اعتبارات منها: خسارة محبة الشعوب العربیة لها وتعاطفهم معها، وکذلک أن العدید من اتجاهات القوى الترکیة أعلنت معارضتها الشدیدة لأی حرب ترکیة على سوریة بعد تفویض البرلمان للجیش، وکذلک أیضا أن أی حرب تقوم بها ترکیا على سوریة قد یدفع سوریا إلى اتخاذ بعض الخطوات المضادة، منها دعم حزب العمال الکردستانی وتزویده بالسلاح المتطور مما قد یؤثر کثیرا على الأمن الداخلی الترکی، فضلاً عن ادراک ترکیا جیداً لعامل حلفاء سوریة مثل إیران وروسیا والعراق بأن هذة الدول لن تقف مکتوفة الایدی فی حال حدوث حرب ترکیة ضد سوریة، لذا یؤکد البعض عدم احتمالیة تورط ترکیا منفردة فی حرب عسکریة مع سوریة([liv]).

وعلى صعید آخر درست ترکیا وعلى نطاق واسع إمکانیة التدخل فی الثورة السوریة دولیا، فحاولت التنسیق مع کل من الولایات المتحدة الأمریکیة وفرنسا وبریطانیا وألمانیا فی قراءة الموضوع السوری وتهیئته لعرضه على مجلس الأمن الدولی، حیث جرت بین کل من رجب طیب أردوغان وباراک أوباما بشأن التنسیق بین الجانبین فی الموضوع السوری والاتفاق على عمل مشترک فی مجلس الأمن من أجل إقامة منطقة حظر جوی فی سوریة لحمایة المدنیین من قمع أجهزة أمن النظام السوری، فضلاً عن العمل من أجل تفعیل دور المؤسسات الدولیة مثل مفوضیة اللاجئین ومفوضیة حقوق الإنسان لتکون مؤسسات مساعدة یمکن الاستعانة بها للتدخل فی الثورة السوریة، واتضح موقف ترکیا هذا أنها سعت إلى ربط سیاستها فی المنطقة بالمواقف الغربیة وتخلت عملیاً عن التمسک بقیادة النظام الإقلیمی([lv]).

ومن جانب آخر برز التنسیق بین ترکیا وعدد من الدول العربیة من أجل المزید من التدخل فی الثورة السوریة بعد أن حثتهم الولایات المتحدة على ذلک، لأن کل من ترکیا والغرب کانوا یدرکون أن التدخل فی سوریة یتطلب سیاقا عربیا، وأن کانت الدول العربیة مترددة فی کیفیة التعامل مع الواقع السوری، إلاَّ أنَّه بعد ذلک قامت العدید من الدول العربیة مثل السعودیة والبحرین والکویت وتونس بسحب سفرائها من سوریة، وتم إجراء العدید من الاتصالات واللقاءات بین وزیر الخارجیة الترکی آنذاک أحمد داود اوغلو وأمین جماعة الدول العربیة نبیل العربی، فوجه الاخیر فی تطورات لاحقة للقضیة انتقادات شدیدة للسلطات السوریة وأصدر بیانا إثر اجتماع طارىء لوزراء خارجیة العرب دعا إلى احترام حق الشعب السوری فی الحیاة الکریمة وتطلعاته المشروعة، وفی اطار العمل الإقلیمی والدولی دعمت ترکیا کافة المقترحات المقدمة من قبل جامعة الدول العربیة والمبعوث الدولی (کوفی عنان) من أجل إیجاد حل للقضیة السوریة([lvi])، فضلاً عن موقفها الرسمی خلال اجتماع وزراء خارجیة منظمة المؤتمر الاسلامی فی جیبوتی فی 14 تشرین الثانی 2014 الذی ادلى به وزیر خارجیتها بأن ترکیا تعترف بالائتلاف السوری ممثلاً شرعیاً للشعب السوری، وأکد على ضرورة دعم المنظمة لهذا الائتلاف والاعتراف به⁽[lvii]⁾.

 بناءً على ما تقدم یتضح أن ترکیا تعاملت مع الأحداث السوریة فی بادئ الأمر بشفافیة تامة نظراً للعلاقات التی تربطها مع سوریة وعلى أکثر من صعید، اذ اعتقدت الحکومة الترکیة أنها تمتلک من النفوذ ما یؤهلها لإقناع النظام السوری بإقامة اصلاحات سریعة وجذریة بغرض تحقیق الانتقال الدیمقراطی للسلطة، إلاَّ أنَّ سرعان ما جاء الرد من نظام الأسد بتبنی سیاسة قمع المحتجین فی اخماد الثورة، مما دفع الحکومة الترکیة لمطالبة النظام السوری بالتنحی عن السلطة وزیادة الضغط علیه فی ضوء تصاعد المواقف الدولیة.

حدثت تداعیات أمنیة للقضیة السوریة على ترکیا من جراء قیام النظام السوری بالسماح لحزب العمال الکردستانی بمزاولة نشاطه فی المناطق الکردیة القریبة من الحدود الترکیة، مما ولد هاجساً أمنیاً لدى ترکیا بسبب العداء القائم بینها وبین الاکراد.

الخاتمة :

     سعت ترکیا إلى التعاطی مع القضیة السوریة بما یحقق مصالحها والحفاظ على أمنها القومی من خلال تفعیل دورها الإقلیمی المؤثر فی المنطقة، فانطلقت رؤیتها الداعمة للاحتجاجات الشعبیة فی سوریة بضرورة احترام حق الشعب السوری وتطلعاته المشروعة بعیده عن القمع والاستبداد والمظاهر البولیسیة من قبل النظام الحاکم، ونتیجة للتدخل الترکی بشأن سوریة اتسمت المدة بعد قیام الاحتجاجات السوریة فی آذار 2011 بالعداء بین البلدین وقطع العلاقات بینهما حتى وصلت فی أحیان عدیدة إلى إمکانیة إعلان الحرب، فلجات الحکومة الترکیة محاولةً اقامة الجدار العازل شمال سوریة بغرض قطع الطریق على الحکومة السوریة فی حال تزویدها لحزب العمال الکردستانی بالأسلحة الحدیثة والمتطورة التی من شأنها ان تکون ورقة ضغط ضد ترکیا.

 فکان لتشابک المصالح الإقلیمیة والدولیة ومحاولة بعض القوى على ان یکون لها موطئ قدم فی المنطقة، فقد القت هذه القوى بظلالها على القضیة السوریة نتیجة الموقع الحیوی الذی تتسم به سوریة اولاً، وتحالفاتها مع بعض القوى الإقلیمیة ثانیاً، المتمثلة بإیران ولبنان(حزب الله) ویقف وراء هذه القوى دولیاً کل من روسیا والصین، وقد شکل ذلک عقدة مستعصیة یصعب ایجاد حل لها بسبب التنافس والدعم الموجه للنظام الحاکم فی سوریة من جهة هذه القوى، وفی المقابل هناک دعم لوجستی للمعارضة واحتضانها من قبل أطراف إقلیمیة أخرى تسعى للإطاحة بالنظام السوری متمثلة بترکیا ودول الخلیج العربی، ویقف من ورائهم دولیاً الغرب بجناحیه الأوربی والأمریکی، وجمیعهم یحاول الاستفادة بتحقیق غایاته من ارباک القضیة السوریة، وعلى غرار ذلک تحولت القضیة السوریة إلى صراع إقلیمی دولی أدى إلى نشوب حرب فعلیه بالوکالة تدعمها هذه الأطراف التی تحاول تحقیق اکبر قدر ممکن من المکاسب السیاسیة والاقتصادیة والعسکریة لها على حساب الشعب السوری الذی ذاق ویلات الحرب والقتل والتهجیر.