الوسطیة التی نقصد فی البحث، لیست تسلیما بالواقع، وإنما هی القدرة على التعامل مع الواقع لتغییره ولیست القدرة على التکیف مع الواقع دون تغییره. ومما یعطی الوسطیة، والدعوة إلى منهج الاستقرار أهمیة، أن الوسطیة ترفض الخضوع للأجنبی. کما أنها ترفض واقع التخلف، والتجزئة لان ذلک تضییع للحقوق وتفریطا بها. کما أن الوسطیة تؤمن بالتدرج، واقتراح البدائل، وعدم الاکتفاء بالنوایا الصادقة فی الإصلاح، وإنما العمل المتواصل على تقدیم النماذج الصالحة. إنها حالة من التوازن بین التشدد والشذوذ من جهة، والتهاون والتقصیر من جهة ثانیة. وهی منهج فی الحیاة، وفی العمل السیاسی وفی التعامل مع الآخرین، والوسطیة کتیار، ممتد عبر التاریخ، لیس ولید حالة تاریخیة واجتماعیة راهنة، وإنما هو نتاج لحرکة التجدید. والوسطیة بهکذا مفهوم لاتلجأ إلى طریق العنف فی التغییر الداخلی، لکنها تبرر المقاومة لقوى الاحتلال والهیمنة الخارجیة.ویقینا إن الوسطیة، إذا ما انتهجت، فأنها ستؤدی إلى الاستقرار السیاسی، والاجتماعی، فلا تنمیة بدون استقرار، ولا استقرار بدون وسطیة. وکما هو معروف فأن من معاییر الاستقرار السیاسی والاجتماعی ازدیاد فرص الانفتاح السیاسی، والدیموقراطیة المقترنین بالاعتدال فی المواقف والسلوکیات، فالفکر الوسطی یؤمن بالآخر ولا یرفضه ویسعى من اجل تأمین نقاط التقاء مع الآخرین. ومن ثمار الوسطیة زرع الثقة بین أبناء البلد الواحد وهذا مما یشیع حالة من المودة، وبناء علاقات اجتماعیة ایجابیة، والابتعاد عن التعصب والحقد وهذه تساعد فی بناء المجتمع وتحقیق حالة من الاستقرار التی تهیئ المجال للتفاعل الاجتماعی الصحیح وإحراز اکبر قدر من المنجزات المفیدة.ویتساءل البحث عن، من هم المؤهلین فی مجتمعنا لقیادة منهج الوسطیة، والسعی باتجاه تحقیق الاستقرار، والسلم الاجتماعی، والتنمیة المستدامة؟ ونقول– وبکل صراحة– إنهم أبناء الطبقة الوسطى.. هذه الطبقة التی باتت تواجه فی عالمنا العربی الذوبان، والانهیار، والتفکک نتیجة استقطاب المجتمع إلى(قلة یملکون کل شیء)، و(کثرة لاتملک شیئا).